لنمضِ ونمنح حياة

أغمضت عيني بهدوء وأنا أنتظر أن أغيب عن الوعي بينما أهم بمغادرة هذا العالم، وبدأت بالدخول في ذلك النفق المظلم باستسلام العاجز، منتظراً أن أصل نهايته وأكون عندها قد غادرت للأبد…..
لحظات مرت رأيتها سنين…. سنين عمري التي توقفت في محطتين فقط وما بينها تلاشي من فرط الألم والحزن والحيرة والوحدة.
المحطة الأولى كنت ذاك الطفل البريء المقبل على الحياة بكل ما يملك من فرح وبهجة وحب، حب لكل من هم حوله، وهم من يشكلون عالمه الجميل الآمن، حتى ذلك اليوم عندما سقط كل شيء أرضاً وداسه وحش بشري أباح لنفسه أن ينتهك ويعتدي ويهدم عالم طفل لم يتعدى الثانية عشرة من عمره، ويُدخله عالم الكبار عنوة.
استمرت هذه المحطة سنين حتى استطعت استجماع جرأتي في أن أوقف فيها قطار عمري وأغادرها للأبد، دون أن أستطع مواجهة ذاك الوحش ولا الهروب منه لأنه كان جزءاً من عالمي، كان من عائلتي…!!!!
انسابت سنوات عمري بلا طعم أو معنى وأنا أعاني فيها مشاعر الخزي والعار، مشاعر الذنب والاحتقار لنفسي، وخاصة وأنا أصارع ميولي التي صرت لا أستطع فهمها أو تحديدها، ميول نفسية كانت ترغمني أن ألتفت فيها لأقراني من جنسي. لقد أضاع الوحش هويتي الجنسية، وبتُّ هائماً على وجهي تتجاذبني كل تلك المشاعر والميول،
كبر الطفل وجرح عميق ينزف في قلبه وهو يصرخ صامتاً من فرط الألم، لا يستطيع البوح لأحد لأن البوح يحتاج شجاعة ليست لديه، ويملك من الأذى أكثر مما سببه،
وصار شاباً يحمل ندبة في قلبه ووجهه يراها كلما نظر في المرآة، يرى نفسه قذراً، لا يستحق الاحترام أو التقدير، لم يستطع أن يرى نفسه كما يراه الجميع شاب جميل، ذكي، طموح، نشيط، مبدع……، وكلما كان الناس يمدحونه ويقدرونه كان يمعن في تحقبر صورته الذاتية لنفسه، لم يكن يرغب بذلك أو يسعى له لكنها أفكار تنقض عليه وتفترسه كما فعل الوحش قبلاً.
وعشت وحيداً بلا رجاء أو أمل، وعجزت في قمة يأسي عن التمسك بآخر خيوط الحياة الباهتة، فقررت أن أُفلتها وأطلق تلك النفس الحبيسة في ذلك الجسد القذر الملوث علها تجد لها حياة أنقى في عالم آخر خال من الوحوش البشرية.
واستعنت بأدوية قد تساعدني في مسعاي، وهئنذا أنتظر الوصول لنهاية النفق، لكن شجاعتي خانتني وخذلني جسدي الضعيف ولم يستطع الاستسلام لاختلاجات الموت، سحبتني حبال قوية لم أستطع رؤيتها في ذلك الوقت.
طوقتني خيوط الموت، قاسيت الضيق والحزن، سنوات مرَت وأنا أصرخ فيها ألماً وأذوب حيرة، أين أنت؟ لماذا جعلتني أجتاز في هذا الوادي المظلم السحيق وحيداً مثخناً بالجراح، تلاحقني صور الماضي وأتجرع مرارة العلقم كل يوم؟ إشراق الصباح يعني لي بداية يوم من الألم والمعاناة، ومزيد من النوم يضمن لي الهروب والراحة الوقتية، ليتك نطقت بحكم الموت والنهاية وأطفئت مصباح حياتي، فأنا لا أستحق الحياة.
أين عدلك؟ أين إنصافك للمسكين والبائس؟ لم تعد كلماتك التي كنت أسمعها وأقرأها تعني لي شيئاً، باتت فارغة من المعنى والتأثير، وباتت حياتي دوران تائه في حلقات مفرغة أرى في بدايتها السكون والراحة أركض إليها وأتمسك بها لأراها بعد لحيظات قليلة حقيقة مبطنة بالوهم تقودني ثانية للبحث عن الراحة والسكون…..
سمعت عنك كثيراً لكني لم أكن أثق بك لأني فقدت ثقتي بكل الناس بعد طعنات غادرة من أقربهم إلي، كنت أسمعهم يتكلمون عنك بحب وشغف، ويصفونك بأروع الأوصاف، وأراهم ليسوا سوى مخدوعين متوهمين مبالغين، وكأنهم يرفعون شعارات مثالية توهم الناس وتجعلهم يعيشون في عالم من الرضا المرائي المزيف.
ألم ترى معاناتي، ألم تسمع صراخي؟ ألا تعنيك رؤيتي مطروحاً مذللاً مضرجاً بمشاعر القذارة والذنب؟
لماذا؟؟؟؟؟؟؟؟ لماذا تركتني وحيداً، وابتعدت عني؟ لماذا يا لله؟
وهاجت عواصف الأفكار في ذهني ورياح البؤس جعلت صور حياتي تتناثر هنا وهناك، وارتفعت أمواج مشاعر المرارة مختلطة بالضعف الحاقد والعجز، ومن فرط اضطرابي غفوت لثواني لأستيقظ وأنا أشعر به على يربت على كتفي يوقظني ويقول لي أنا هنا ولم أتركك يوماً……
فقد كنت هناك، معك وبجانبك، ورأيتك وحيداً تتضجر بألمك الذي مزق قلبي وصراخك الذي ملأ أذنيّ، وقلت: “لك الحياة فلتعش”. وعندما قررتَ إنهاء حياتك رميتُ حبالي ونشلتك من أعماق الهاوية وقلت لك: ” فلتعش”.
نموتَ وكبرتَ وبلغتَ سن الحب، سن النضوج والإدراك، فمررت بك وبسطت جناحي فوقك وسقيتك حلاوة الحب والقبول، وتعاهدنا وصرت لي، وعندها غسلتك من كل آلامك وآثامك وطهرت قلبك وبات جذوة المحبة، نظفت نفسك من كل مشاعر الذنب وعدم الاستحقاق والقذارة وطيبتها بالعطر لتفوح منها مشاعر النقاء والطهارة، وكسوتك بثياب الملوك لأنك صرت ابني الغالي، فصرت رائع الجمال واكتملت ببهائي الذي وضعته عليك.
لم أتركك يوماً عيني كانت دوماً عليك وقلبي يحملك أينما ذهبت، والشغف الذي كان يبطن كلمات من يتكلم عني حقيقي وستعرفه وتتوق إليه بعد أن صرت ابني.
أفتح عينيك لترى مكانك المحفور في قلبي، لترى صورتك التي كانت في فكري قبل أن تولد حتى، أنت لي وستظل لي لأني أنا من يعرفك حق المعرفة، من الرحم حتى المشيب أنا أراك أمامي مفعماً بالحب مملوء بالرحمة.
سنخطو معاً يداً بيد ونبحث عمن افترستهم الوحوش وننقذهم من أنياب اليأس والموت، وسنعطيهم حياة وأفضل ما يستحقون، لأنهم يستحقون الأفضل فهم صنعة يديّ مهما حاول العالم وما فيه تشويه هذه الصورة.
لنمض ونمنح الحياة
بقلم/ د. حياة
رائعة.. لنمض و نمنح الحياة كلٍّ بحسب قدراته و رسالته التي خُلِق لأجلها
آمييين
Amen, healing come at the moment when we know we have got problem and all the world can’t give us our spirt needs ,Instead of physical world there is the best doctor his name is jesus ♡
Thank you dr hayat